>كيف نخلد نجيب محفوظ في ذكرى رحيله الرابعة؟
كتب - يوسف القعيد :
اليوم الاثنين تمر أربع سنوات علي رحيل نجيب محفوظ. وهي فركة كعب قصيرة الأمد في عمر الشعوب. ولكنها توشك أن تكون فترة- شبه كافية لاختبار مدي ما تحقق مما تم إعلانه لتخليد ذكري نجيب محفوظ عند وفاته علي طريقة الحماس المصري
لقد ختم نجيب محفوظ مفتتح روايته البديعة: أولاد حارتنا. وكانت أول ما نشر له مسلسلا في جريدة الأهرام سنة1959 ـ بعبارة: ولكن آفة حارتنا النسيان. تعالوا نحاول أن نثبت له ـ وهو في عالم الحق ونحن في دنيا الباطل ـ أن عبارة أولاد حارتنا ربما تنطبق علي أولاد حارته فقط. وأننا نحاول أن نتذكره ونذكر الآخرين به ونقول لأصحاب الوعود الضخمة التي أعلنت إبان رحيله أن فرعون مصر القديمة أمسك به المصريون من لسانه. واعتبروا كلمته شهادة عليه, وقرروا في ضميرهم الجمعي أن محاسبته عليها فرض عين.
(1) قراءة الغياب:
منذ رحيله وأنا أتابع قراءة أعماله بقصد قراءة النص المحفوظي بعد غياب نجيب محفوظ. من أجيال ربما لم تجلس معه وتعاصره وتسمع صوته وتراه وتسمع نكاته وضحكاته الصافية. كيف سيكون التعامل مع النص المحفوظي؟ بتحديد أكثر أريد معرفة مدي الإقبال علي توزيع كتبه.
ولأن دور النشر في مصر تعتبر أن ما تطبعه من أي مطبوع سر الأسرار. وبالتالي لا تعلن أرقام التوزيع. سيكون من الصعب القطع برأي في مدي الإقبال علي قراءة نصوصه بعد أن أصبحت عليها أن تقدم ما لديها للقارئ في غياب المؤلف. وتراجع الوسائط الأخري التي يمكن أن تشارك في تقديم هذا العالم لقارئ جديد عجول محاصر بالإعلام من كل جانب وأصبحت القراءة جزءا من اهتماماته وليست الاهتمامات كلها.
مشغول أنا بقراءة نجيب محفوظ مصريا وعربيا وعالميا. ولا أحب أن أدخل إلي دنيا التخمينات والحدس لأن الأرقام تحدد الأمر أكثر من الخيال الإنساني. لكني في كل الأحوال أتوقع قراءة مختلفة عن تلك التي جرت في زمن وجوده. حيث يتسلل النص بعيدا عن صاحبه لدنيا الناس. وتصبح القراءة إعادة إنتاج للنص المحفوظي في غياب نجيب محفوظ.
أكتب هذا وفي الأسواق المؤلفات الكاملة لنجيب محفوظ بما في ذلك رواية أولاد حارتنا. صادرة عن دار الشروق. إما علي شكل مجلدات فاخرة. أو كتب مفردة. ورغم عناية الطباعة إلا أنها ليست غالية السعر بالنسبة للقارئ العادي.
(2) المتحف الافتراضي:
بعد رحيله مباشرة أعلن الوزير الفنان فاروق حسني عن تشكيل لجنة برئاسته شخصيا لتخليد ذكري نجيب محفوظ. وكان العمل الأول التي اتجهت له اللجنة إقامة متحف لنجيب محفوظ في الجمالية. المكان الذي ولد فيه وعاش فيه سنوات عمره الأولي. وحتي بعد أن تركه وهاجرت الأسرة للعباسية. وكان نجيب محفوظ في العقد الأول من عمره. لم تنقطع صلته به حتي لحظات عمره الأخيرة.
وقع الاختيار علي وكالة محمد بك أبو الدهب لتكون مقرا لهذا المتحف. لكن جرت اعتراضات كثيرة من بعض المثقفين لأن مدخل الوكالة عبر حي الباطنية. في حين أن مدخلها علي ميدان الأزهر يعترضه خان الزراكشة. ومن الصعب ضم الخان للوكالة بسبب تعقيدات إدارية قد تستغرق وقتا طويلا حتي يتم تذليلها.
وقامت اللجنة بزيارة الوكالة وأكتشف أنه مبني ضخم من أربعة أدوار يصلح أن يكون متحفا لنجيب محفوظ ومختبرا للسرديات العربية. وناديا للسينما ومكتبة لكل ما يتصل بنجيب محفوظ. وقاعات للقراءة. وأماكن للوسائط العلمية الجديدة مثل الكمبيوتر والإنترنت وغيرها. وكل هذا يحمل اسم محفوظ.
بعد الاعتراض علي اختيار قصر محمد بك أبو الدهب مقرا لمتحف نجيب محفوظ. قرر وزير الثقافة اختيار قصر الأمير بشتاك بشارع المعز لدين الله الفاطمي. ليكون متحفا لنجيب محفوظ. ولكن عند معاينة المكان اتضح وجود ست عشرة أسرة تسكن في جزء من القصر. وإجلاء هذه الأسر أمر صعب. فمن سيعوضهم؟ ومن سيوفر لهم مساكن بديلة؟ ثم إن أعمالهم مرتبطة بالمكان نفسه. علاوة علي أن باب القصر المفتوح علي شارع المعز لدين الله الفاطمي بنيت فيه منذ قديم الزمان زاوية الفجل هكذا سميت لأنها كانت مكانا مشهورا ببيع الفجل في قاهرة العصور الوسطي صحيح أن الزاوية لا تقام فيها صلاة. وأنها أقرب لمكان رمزي. لكن تحويلها لمدخل للقصر قد يجر من المتاعب ما لا يمكن مواجهته. أيضا فإن الباب الثالث افتتح فيه محل لبيع الشيشة ولوازمها.
وهكذا جري التفكير في مكان ثالث وهو مقعد الأمير ماباي. وهي شرفة آخر ما بقي من قصر هذا الأمير وميزتها الأساسية أنها تطل علي ميدان بيت القاضي. وفيه البيت الذي ولد فيه نجيب محفوظ. يحمل رقم8 ولكن اتضح عند المعاينة أنها مجرد شرفة صغيرة لا تصلح لإقامة أي نشاط فيها.
فكرت اللجنة في تحويل قسم الجمالية لمتحف لنجيب محفوظ. وقد ترك المكان. وأصبح أثرا من حق وزارة الثقافة أن تتصرف فيه. ولكن فكرة أن يتحول قسم الجمالية إلي متحف لنجيب محفوظ. فكرة لم تحظ بقبول أحد. بل ورفضت رغم أن القسم مواجه تماما لمكان ميلاد نجيب محفوظ. وبالقرب منه الشوارع الرئيسية التي حملت أسماء رواياته. فمن يقف أمام القسم يمكنه رؤية شارع بين القصرين, وأن يكون بالقرب من شارعي قصر الشوق, والسكرية.
وهكذا عاد الأمر لوكالة محمد بك أبو الدهب مرة أخري. وحتي تتحرك الأمور أصدر الوزير قرارا بناء علي اقتراح من الدكتور جابر عصفور بتفويض المخرج السينمائي توفيق صالح. كي يصبح مديرا للمتحف. علي أن يبدأ العمل فورا. وكلف الأستاذ فاروق عبد السلام مدير مكتب وزير الثقافة. بتذليل كل العقبات من أجل افتتاح هذا المتحف خلال2011 وهي السنة التي يمر فيها قرن علي ميلاد نجيب محفوظ.
(3) للكتابة عمر ثان:
كان من قرارات لجنة تخليد نجيب محفوظ إصدار دورية عن نجيب محفوظ. صدر منها عددان. يتولي رئاسة تحريرها الدكتور جابر عصفور. وينوب عنه في إدارة التحرير الدكتور حسين حمودة. وهي فكرة جيدة وإن كان ينقصها مشكلة التوزيع. فمثل كل مطبوعات المجلس الأعلي للثقافة الذي تصدر عنه الدورية تواجه مشكلة البيع عبر منفذ المجلس فقط. مع أن مثل هذه الدورية بمستواها الذي ظهرت به إخراجا وتحريرا. كان يمكن أن توزع أرقاما ضخمة داخل مصر وخارجها. لأنها تصدر سنوية وهي دورية علمية محكمة. ويمكن أن تكون نواة لعمل يستمر ويخلد إسم نجيب محفوظ بطريقة جيدة. والأمل معقود علي الدكتور عماد أبو غازي. الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة. لأن يوفر للأعداد القادمة من الدورية. ومطبوعات المجلس عموما منافذ توزيع كثيرة. رغم أن التوزيع يتولاه صندوق التنمية الثقافية. باعتبار أنه هو الجهة التي تمول الطباعة أساسا. ولكن توزيع دورية عن نجيب محفوظ بشكل جماهيري. مسألة ليست مستحيلة.
(4) المكتبة المحفوظية: لا للنسيان:
__________________